الشيخ محمد الاخضر الاخضري السائحي
الشيخ محمد الاخضر الاخضري السائحي
المعلم القدير والمجاهد الصنديد
إذا كانت الجبال أوتادا تحفظ الأرض أن تميد، والعلماء هم الرواسي الشامخات التي تحمي الأمة أن تظّل أو تحيد عن الطريق، فان الشهداء هم الأبطال الأفذاذ الذين سقوا أرضيهم بالدماء الزاكيات لتحريرها من ربقة الاستعمار وغطرسة الاستدمار.
ومن هؤلاء الأبطال الشهيد الشيخ محمد الأخضر الاخضري السائحي- رحمه الله- احد شهداء حرب التحرير، واحد معلمي مدارس الحركة الوطنية الجزائرية ، الذين أيقضوا النفس وحركوا الوجدان وبعثوا الحياة في الضمير بالكلمة الطيبة والموعظة الحسنة.
إن الحديث عن الشيخ محمد الأخضر الاخضري السائحي – رحمه الله – لا يزيدنا على أن نقول انه رجل من أولئك الرجال الذين ذكرهم الله في كتابه الكريم ، فقال : " رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه ، فمنهم من قضى نحبه ، ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلا "، رجل وهب نفسه لله ثم للوطن غير مبال بما سيصبه في سبيل الله.
النقيب محمد الأخضر الاخضري السائحي، المعروف باسمة الثوري " الكبتان سي المختار" كان من الشباب المتشبع بالروح الوطنية والإسلامية، حفظ القران الكريم وعمره لم يتجاوز السابعة عشرة ربيعا، واستظهره في صلاة التراويح في بلدته الصغير"بلدة عمر"، حبه لطلب العلم والبحث عن المعرفة جعله يحط الرحال بجامع الزيتونة بتونس سنة 1946، لينهل من علمائها، ويرتشف من حقولها العلمية مكللا في الأخير بعد رحلة الجهاد التحصيلي الشاق على شهادة الأهلية في جوان 1949، ثم شهادة التحصيل في العلوم في أكتوبر 1952، بعدما فتح الله عليه من الفتوح ما فتح، فأتقن مبادئ اللغة العربية، وقواعد الشريعة الإسلامية، وأصول الفقه، والأدب والتاريخ، على أيدي مشايخ متضلعين في الدين الإسلامي مثل: ابن عمه الشيخ محمد اللقّاني بن السايح، والشيخ علي بالخوجة، والشيخ الامجد قدية، والشيخ محمد بوشربيّة، وقد برز في هذه الفترة كما يقول عنه زملاؤه ، بنهمته في المطالعة الأدبية ، وتأثره بمطران خليل مطران ، وطه حسين، ومصطفى صادق الرافعي،وأيضا بشغفه اللامحدود في التحصيل العلمي ، فقد كان يدرس بجامع الزيتونة نهار، وبالمدرسة الخلدونية الحديثة ليلا ، مما كان له أطيب الأثر على سلوكه ،وأخلاقه ،ووطنيته، وقوميته،ولم يكتف الشهيد بشهادتي الأهلية والتحصيل، بل تابع دراسته للحصول على الشهادة العالمية ، لكن كما يقول المثل العربي" تجري الرياح بما لا تشتهي السفن "، فقد انقطع عن الدراسة نتيجة ظروف اجتماعية ، تمثلت في احتياج أهله إلى مساعدته ، خاصة بعدما التحق به أخوه الصغير(محمد الصغير الاخضري السائحي) إلى تونس، فعاد إلى عرينه – بلدة عمر - سنة 1953، واستقر هناك ملازما والده في إدارة الأعمال الفلاحية مدة سنة ، وحين اندلعت الثورة التحريرية في أول نوفمبر 1954 حمل عصا الترحال إلى الجزائر العاصمة ليباشر مهنة التعليم والنضال الوطني ضد جحافل الاستعمار، وهو الذي قال يوما :" لقد دعاني الواجب الوطني إلى أن التحق بدوري بالعمل المسلح ".
إن الشهيد الشيخ محمد الأخضر الاخضري السائحي قد أعطى للعلم والتعليم في" مدرسة الصباح الحرة" بأعالي القصبة أهمية خاصة ،جاهد فيها لربط أبناء الوطن بلغتهم وتاريخهم، وحضارتهم الإسلامية ، والتصدي للغزاة الصليبين الكفرة الفجرة. وبهذا الدور المتميز اثر الشهيد في مسار الحركة الوطنية، وساهم في دفع نشاطها الاجتماعي والتربوي والسياسي، لكن الأمور لم تدم على هذا النحو، فقد تعرض الشهيد ورفاقه في التدريس لمضايقات استعمارية أحجبتهم عن أداء واجبهم التعليمي، فقد داهمت قوات الاحتلال ذات يوم مدرسة الصباح من سنة 1956، وفتشوا الطلبة والطالبات وهددوا الأساتذة بالقتل إذا لم يمتنعوا عن التدريس.
وانطلاقا من هذه الحادثة كتب على الشيخ محمد الأخضر الاخضري السائحي الالتحاق بمجاهدي الثورة في الجبل بالمنطقة الخامسة بالولاية الرابعة ،وهناك برزت وطنية الرجل، وعظمته وحنكته في التدبير والتخطيط الذي قضّ به مضارب الاستدمار، ومضاجع الاستعمار،مما جعل القيادة العسكرية بالولاية الرابعة سنة 1957ترقّيه إلى رتبة نقيب، وتعيّنه مسؤولا عن بعض الخلايا الثورية بالمنطقة الخامسة التابعة للولاية الرابعة، مشاركا في بعض الأحيان مع رفاقه في معارك واشتباكات ضد العدو ، إلى أن قربت الشمس عن المغيب، ودقّت ساعة الرحيل، معلنة عن استشهاد البطل في 11او 13 نوفمبر 1961، بعد اشتباك أبلى فيه الشهيد البلاء الحسن في منطقة " سد بن يحي" بعين بوسيف ولاية المدية ، ليتم دفنه بمقبرة البرين.
إذن هذا هو الشهيد الشيخ محمد الأخضر الاخضري السائحي في مواقفه الشجاعة والبطولية بالقلم والحبر ضد الجهل، وبالسلاح والرصاص ضد الاستعمار الفرنسي ، وما كان لي في هذه المقتضبة التاريخية إلا أن أقول ما قاله ذات يوم الشيخ البشير الإبراهيمي :" يموت العظماء فلا يندثر منهم إلا العنط الترابي الذي يعود إلى الأرض، وتبقى آثارهم وأعمالهم ومعانيهم الحية في الأرض قوّة تحرّك ، وروابط تجمع، ونور يهدي، وعطرا ينفس ".